بعد الارتفاعات غير المسبوقة والتاريخية لأسعار الغاز الطبيعي التي شهدها الربع الرابع من عام 2021، التي كانت أشبه بسباق بين السوق الآسيوي والسوق الأوروبي على الريادة في رفع الأسعار، بدأت الأسعار تشهد تراجعا خلال شهر يناير 2022 مدعومة بظروف الشتاء المعتدل في أوروبا وآسيا التي ساهمت في تخفيض الطلب على الغاز الطبيعي.
وبحسب المهندس وائل حامد خبير الصناعات الغازية بمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) فإن هذا التراجع لم يدم طويلاً، حيث عاودت الأسعار الارتفاع مجدداً مع انطلاق الأزمة الروسية الأوكرانية أواخر شهر فبراير 2022، وتنامي المخاوف بخصوص مستقبل الإمدادات من روسيا إلى الأسواق الأوروبية.
ففي السوق الأوروبي، بلغت أسعار الغاز الطبيعي حسب مركز TTF في هولندا خلال شهر يناير 2022 نحو 27.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بنحو 37 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية خلال شهر ديسمبر 2021 (تراجع بنسبة 25%). ومع دخول شهر فبراير، استمرت الأسعار في التراجع مدفوعة بتنامي المعروض من شحنات الغاز الطبيعي المسال القادمة من الولايات المتحدة إلى أوروبا لتتراجع إلى ما دون الـ 25 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية قبيل انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا يوم 24 فبراير، ثم تقفز بعدها بنسبة 30%. ليصل المتوسط الشهري لشهر فبراير إلى نحو 26.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
ومع دخول شهر مارس، استمرت الأسعار في الصعود بشكل حاد مع تقلبات فجائية من يوم لآخر على إثر التطورات التي شهدتها الأزمة الروسية الأوكرانية ليصل المتوسط الشهري إلى 41.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (بنسبة ارتفاع 55%).
وفي السوق الآسيوي، تراجعت الأسعار الفورية في سوق شمال شرق آسيا (مؤشر شحنات الغاز الطبيعي المسال الفورية لمنطقة آسيا) خلال يناير2022 إلى 28.9 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة، بنحو 38 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال شهر ديسمبر 2021 (تراجع بنسبة 24%). ثم استمر منحنى التراجع ليصل المتوسط الشهري خلال فبراير2022 إلى 26 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية، ثم قفز مجدداً على إثر الأزمة الروسية الأوكرانية إلى 37.2 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية خلال شهر مارس (ارتفاع بنسبة 37%)، أي أقل بنحو 4.3 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من سعر الغاز في أوروبا حسب مؤشر TTF ، وهو فارق كبير في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تجارة الغاز الطبيعي عالمياً.
أما في أمريكا الشمالية، وعلى عكس السوق الأوروبي والسوق الآسيوي، استمرت أسعار الغاز الطبيعي وفقاً لمركز هنري في الصعود خلال شهر يناير 2022، حيث بلغ المتوسط نحو 4.38 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بنحو 3.76 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الشهر السابق له، وهو أعلى متوسط شهري لنفس الشهر منذ عام 2011، بسبب تنامي صادرات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة إلى أوروبا، علاوة على رفع معدلات السحب من مخزونات الغاز.
ومع دخول شهر فبراير، قفزت الأسعار إلى نحو 4.69 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية بنسبة ارتفاع 7% بسبب موجة الطقس الباردة والمستوى المنخفض لمخزونات الغاز، ثم استمرت الأسعار في الصعود لتصل إلى 4.90 دولار/مليون وحدة حرارية بريطانية في شهر مارس.
أما بالنسبة لأسعار شحنات الغاز الطبيعي المسال في الاتفاقيات طويلة الأمد المرتبطة بسعر خام برنت الأمريكي (المعادلة السعرية قائمة على معامل 12-13% من سعر خام برنت لكل مليون وحدة حرارية بريطانية حسب شروط التعاقد) فقد ارتفعت خلال الربع الأول من عام 2022 إلى 12 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (مقارنة بنحو 9.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال الربع السابق له) بفضل الارتفاع الذي شهدته أسعار خام برنت، والتي بلغت في المتوسط نحو 101 دولار للبرميل خلال الربع محل الدراسة تحت تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية.
وبسبب القفزة الهائلة في أسعار الغاز الفورية في منطقة آسيا، استمر الفارق في الاتساع بين الأسعار الفورية والأسعار المرتبطة بخام برنت لصالح الأسعار الفورية.
